شخصية مصرية كانت سببًا في إضاءة المسجد النبوي حتى قيام الساعة، إنه أحمد باشا حمزة الذي تولى منصب وزارة التموين ووزارة الزراعة بوزارتين لمصطفى النحاس باشا، فضلًا عن تأسيسه أول مصنع عربي لإنتاج الزيوت العطرية، إضافة إلى براعته في تربية الخيول العربية الأصيلة.
نشأته وتوليه الوزارة
ولد أحمد باشا حمزة بقرية طحانوب مركز شبين القناطر التابع لمحافظة القليوبية في مايو 1891 درس الهندسة وسافر إلى إنجلترا ليعود بعدها ويقرر أن يبدأ في أول مصنع عربي متخصص في إنتاج الزيوت العطرية، والتي كان يستنبطها من الزهور المختلفة التي أشرف على إنتاجها بنفسه، حيث كان يصدرها إلى الخارج وخصوصًا فرنسا لأشهر مصانع العطور هناك، ولم يكتف بذلك، بل قرر إنشاء مجلة «لواء الإسلام» وتولى منصب وزير التموين في وزارة النحاس السادسة في 26 مايو 1942، كما تولى منصب وزير الزراعة بوزارة النحاس السابعة في 12 يناير 1950.
إضاءة المسجد النبوي
القصة كما رواها الدكتور محمد علي شتا، مدير مكتبه، جاء فيها أنه عام 1947 قرر الوزير أحمد باشا حمزة حج بيت الله الحرام بصحبة مدير مكتبه الدكتور محمد شتا، وبعد أداء مناسك الحج توجه إلى المدينة المنورة لزيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، لكنه تفاجأ بأن المدينة المنورة ومسجد الرسول بها بلا كهرباء، وأنه مضاء بمصابيح زيتية فقط لا يستطيع الزائر أن يرى منها أي شيء.
صورة من محضر تسليم إنارة المسجد النبوي
وبعد عودته لمصر قرر حمزة شراء محولات كهربائية وعدد من المصابيح والأسلاك لإنارة المسجد النبوي بأكمله، وكلف مدير مكتبه شتا بصحبة عدد من المهندسين، بالذهاب إلى هناك لإتمام العملية، وبعد مرور 4 شهور بالفعل تحول المسجد النبوي من الظلام إلى النور، حيث احتفلت السعودية بإضاءة مسجد النبي.
الدخول إلى قبر الرسول
في العام الثاني شد حمزة رحاله إلى البيت الحرام لأداء مناسك الحج ورؤية مسجد الرسول مضاءً بالكهرباء، وخلال زيارته طلب من أمير المدينة المنورة الذي استقبله، الدخول إلى قبر الرسول، لكن الأخير أكد أن الأمر ليس بيده لكنه سيرفعه إلى السلطات لإصدار أمر ملكي به.
وبعد مرور 24 ساعة فقط جاء الرد بالموافقة ليقرر الوزير تأجيل الزيارة، وهنا يقول شتا في مذكراته: إن الوزير ظل لمدة 3 أيام متواصلة يتعبد في المسجد النبوي من قراءة القرآن والصلاة استعدادًا لمقابلة أشرف الخلق، مضيفًا: «دخلنا قبر الرسول، صلي الله عليه وسلم، فاستقبلتنا رائحة زكية شديدة الروعة، وجدنا أرضًا رملية، وشعرت من جلال المكان أنني غير قادر على الكلام، وبعد دقائق من الرهبة، ظللت أتلو ما تيسر لي من آيات القرآن الكريم والأدعية، ونفس الشيء كان يفعله الباشا أحمد حمزة».
وأضاف:«قبل أن نخرج من مقصورة القبر، كبشت بيدي قبضة من رمال القبر ووضعتها في جيبي، ولما خرجنا أصابنا ما يشبه الخرس فلم نقوي على الكلام إلَّا بعد حوالي ساعتين».
وأكمل: «الرمال التي أخذتها من قبر الرسول، صلي الله عليه وسلم، قسمتها نصفين، الأول وضعت فوق جثمان والدي في قبره، والنصف الثاني أوصيت أبنائي أن يضعوه فوق جثماني داخل القبر».
وفاته
بعد قيام ثورة يوليو تفرغ أحمد باشا حمزة لتربية الخيول العربية الأصيلة، تلك المهنة التي عشقها وقضى ما تبقى من عمره فيها عبر «اسطبلات حمدان» التي أنشأها والتي حرص فيها على انتقاء أجود السلالات لتحسين نوعية الأحصنة التي تنتجها، وفي مايو 1977 رحل أحمد باشا حمزة عن عالمنا بعد أن نال شرف إضاءة المسجد النبوي.