"مرحبا بك في إثيوبيا، أرض المنشأ"، أمام هذه العبارة جلس الرئيس السوداني عمر البشير بجوار رئيس الوزراء الإثيوبي هالي ماريام ديسالين، خلال حفل استقباله في أديس أبابا في زيارته الرسمية التي تستمر لثلاثة أيام.
زيارة البشير لإثيوبيا، لها وضع حساس، فهي تأتي قبيل تشغيل المرحلة الأولى من سد النهضة، وعقب اجتماع (عاصف) لمجلس وزراء الري بحوض النيل في أوغندا نهاية الشهر الماضي، وعقب اجتماعات القمة العربية بالبحر الميت، كما أنها تتزامن مع احتفال إثيوبيا بالذكرى السادسة لوضع أساس سد النهضة، ولسبب ليس أخير أن البلدين يمثلان ضلعي مثلث، في مفاوضات سد النهضة، مع الضلع الثالث "مصر".
بصحبة كل من وزير رئاسة الجمهورية فضل عبدالله فضل ووزير الدفاع السوداني عوض ابنعوف، ووزير الخارجية إبراهيم غندور، ومدير عام جهاز الأمن والاستخبارات محمد عطا المولى، ووزير الدولة طه عثمان الحسين، وصل الرئيس السوداني إلى أديس أبابا صباح أمس.
اختيار الرئيس السوداني لمرافقيه، يُشير بوضوح إلى المجالات التي سيناقشها البشير مع رئيس الوزراء الإثيوبي، التي يبدو أن عنوانها العريض هو "الأمن" و"التأمين".
خلال المؤتمر الصحفي المشترك، عبر "البشير" نيابة عن الشعب السوداني عن شكره للدعوة التي تلقاها من رئيس الوزراء "ديسالين" والتي صاحبها حسن الاستقبال، معبراً عن سعادته لمستوى العلاقات الثنائية بين البلدين، مؤكدا أنها علاقات قديمة وضاربة في التاريخ.
ولم يتوان البشير في أكثر من موضع إلى الإشارة للتشابه بين بلاده وإثيوبيا في المسائل الثقافية والفنية والمزاج العام، قائلًا: إن هذا دليلٌ على أننا شعبٌ واحد"، و"ليس هناك أي حدود للعلاقة بين البلدين سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو التجاري أو الثقافي أو الاجتماعي أو الأمني " .
وبرز العنوان العريض للزيارة حينما أكد الرئيس السوداني خلال المؤتمر الصحفي، أن الأمن الإثيوبي جزء لا يتجزأ من الأمن القومي السوداني، لافتًا إلى العمل على تطوير هذه العلاقة والوصول بها للمستوى الذي يتمناه كل سوداني وكل إثيوبي -بحسب وكالة الأنباء السودانية-.
ونوه بأن البلدين وقعا العديد من الاتفاقيات، خاصة اللجنة العليا المشتركة بين السودان وإثيوبيا غطت كافة المجالات، مستشهدًا بالربط بين السودان وإثيوبيا، في مشروعات الكهرباء والطرق البرية والاتصالات.
مشروعات الربط الكهربائي بين البلدين كانت حاضرة على مائدة المباحثات، وأكد البشير أن 300 ميجاوات تذهب من إثيوبيا إلى السودان قبل بناء سد النهضة، وأن العمل جار لربط الخرطوم بكهرباء سد النهضة، فضلا عن اتفاقيات الموانئ البحرية، واستيراد إثيوبيا للبنزين من السودان.
هذا التقارب في الرؤى، والحميمية في اللقاء، دفع "البشير" إلى الإعراب عن أمله في زيادة التعاون، ولكن دون إجهاد للخزانة العامة للدولتين بتوفير العملة الصعبة، وأن يصل التعاون بينهما إلى مرحلة تُستخدم فيها العملات المحلية لكلا البلدين.
البشير لفت أيضًا خلال المؤتمر الصحفي إلى التعاون الأمني والشرطي والعسكري، والاتفاقيات المبرمة في هذا المجال والتي وقعتها البلدين، وتم تنفيذ عدد كبير منها، ومؤكدًا أنه لا سقف للتعاون بين السودان وإثيوبيا في المجال الأمني - بحسب وكالة الأنباء السودانية- "إذ إن أمن إثيوبيا هو أمن السودان؛ وأمن السودان هو أمن إثيوبيا".
وأشار البشير إلى أن التعاون بين الدولتين، سيوفر الأمن الغذائي ليس للمنطقة فقط؛ بل للقارة الإفريقية عامة والعالم العربي.
وقال: "إن ما يمس إثيوبيا ينعكس على السودان، وإن ما يمس السودان ينعكس على إثيوبيا، لذلك فإن البلدين مصممان على التعاون الوثيق في هذه المجالات كلها"، بهذه العبارة وافق رئيس الوزراء الإثيوبي "ديسالين" على حديث الرئيس السوداني خلال المؤتمر الصحفي، ليعلن بعدها زيارته السودان قريباً، بعد تلقيه دعوة رسمية من الرئيس السوداني لزيارة الخرطوم.
وذكررئيس الوزراء الإثيوبي، أن زيارة الرئيس البشير الرسمية، ستعزز العلاقات القائمة بين البلدين، معربًا عن رغبة البلدين في الإسراع بالمشاريع التي بدأت بينهما لتحقيق التكامل الاقتصادي بين بلاديهما".
وبحسب تصريحات ديسالين، فيبدو أنه على نهج الزيارة الرسمية، من المنتظر أن يستقبل الشعب الإثيوبي السودانيين على محطات القطار، الذي ستنطلق أولى رحلاته "قريبا" بين البلدين، بعد الانتهاء من مشروع السكك الحديدية الرابط بين البلدين، مضيفًا أن إثيوبيا حريصة على توسيع نطاق استخدامها لـ"بور سودان"، بعد تخصيص السودان ميناء "جافا" لإثيوبيا.
وذكر رئيس الوزراء الإثيوبي، أن الدولتين بدأتا بالفعل الربط بينهما بالطاقة، قبل بناء سد النهضة، ولكن بعد الانتهاء من المشروع الإثيوبي "العظيم" سيتم ربط خط القوة الكبيرة بقدرة 500 جيجا وات بين السد والخرطوم.
وأشار إلى أن إثيوبيا والسودان أقامتا منطقة اقتصادية حرة تسهل الربط التجاري بين البلدين.
العنوان العريض للزيارة (الأمن) ظل مخيمًا على المؤتمر الصحفي، ولم ينته حديث "ديسالين" قبل العودة للتأكيد أن أي مشكلة أمنية في السودان "هي مشكلتنا"، وأن أي مشكلة أمنية في إثيوبيا هي "مشكلة السودان"، موضحا التوصل إلى نتيجة مفادها، أنه لا يمكن أن تنفصل هاتين الدولتين بكل الوسائل -بحسب وكالة الأنباء الإثيوبية.
وأشار إلى أن السودان وإثيوبيا يعملان معاً لإيجاد حلول للمشاكل الأمنية التي تعاني منها المنطقة، بالإشارة إلى الوضع في جنوب السودان والصومال واليمن.
وتعليقًا على الزيارة، قال رئيس الوزراء الإثيوبي: "أذهب إلى الخرطوم؛ يأتي الرئيس إلى أديس أبابا، ولكن هذه المرة مختلفة، وهذه المرة هي زيارة دولة لإظهار أن دولتينا تتكاملان بالتقرب وعلاقاتنا الاستراتيجية تتعمق ".
حرارة استقبال البشير في إثيوبيا بخرت التنسيق مع مصر.."النهضة" يضخ للخرطوم 500 جيجاوات و"الأمن" عنوان الزيارة
وقال رئيس الوزراء الإثيوبي، إن إثيوبيا والسودان يسعيان ليصبحا رمزاً للتعاون، ومثالاً يحتذى به في منطقة القرن الإفريقي والقارة الإفريقية جمعاء .
وألمح البشير في حديثه عن سد النهضة "فيما يتعلق بسد النهضة، فإن كافة الجوانب التي تترتب على العواقب البيئية والعواقب الاقتصادية والاجتماعية والاقتصادية كلها تحت التركيز الآن، وهذه هي المرة الأولى التي تتفق فيها الدول الثلاث" -بحسب وكالة الأنباء الإثيوبية.
من جانبه وصف وزير الخارجية السوداني إبراهيم غندور الزيارة الحالية للبشير إلى إثيوبيا، واجتماعه مع رئيس الوزراء الإثيوبي بأنها إحدى أنجح الزيارات التي قام بها الرئيس السوداني.
وقال الغندور - في تصريح لوكالة الأنباء السودانية - إن الرئيس البشير وديسالين عقدا جولة من المباحثات تناولا فيها التكامل الاقتصادي والتعاون بين البلدين، وضم دولًا أخرى إليه.
وأوضح أن الحديث بينهما من جهة، والوزراء المعنيين من جهة أخرى، تتطرق إلى الوضع الأمني في المنطقة، وكيفية تعاون دول المنطقة لإيجاد حل للوضع في جنوب السودان والصومال وغيرها.
من جهته أوضح وزير مكتب الاتصالات الحكومية الإثيوبية الدكتور "نجري لينتشو" أن الجانبين تطرقا في المباحثات حول القضايا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وأن العلاقات السودانية الإثيوبية عريقة، وأن هذه الزيارة تمكن الجانبين من التشاور حول القضايا الراهنة.
ولم تنته تصريحات الوزير الإثيوبي قبل التأكيد سد النهضة كان إحدى القضايا التي طرحت على مائدة المباحثات، ولم ينس أن يشير إلى تأييد السودان لبناء السد.
مشروعات للسكك الحديدية، وتبادل تجاري بالعملات المحلية، وقضايا الأمن والتأمين، وتوفير غذاء العالم العربي، وربط كهرباء سد النهضة بالخرطوم، مجالات تعاون تم الإعلان عنها في مؤتمر (البشير – ديسالين) الصحفي، عكست بوضوح مدى عمق العلاقات والتقارب السوداني من إثيوبيا.
إلا أن هذا التقارب، يثير حفيظة المصريين، ويدفعهم للتساؤل، إذا كانت السودان لها هذه العلاقات المترابطة مع إثيوبيا، فلماذا لم تنجح وساطتها في حل أزمات مفاوضات النهضة بين أديس أبابا والقاهرة؟، ولماذا لم تستطع السودان بـ"دلالاها" على إثيوبيا إطالة الفترة الزمنية لملأ بحيرة السد دون اللجوء للمكاتب الاستشارية؟، وهل سيظل التعاون بين البلدين على هذا المنوال دون إلحاق ضرر بدول الجوار؟، أم أن الهدف كان بالأساس التحكم بقطرات مياه النيل التي يحيا بها المصريون تحت رغبة سودانية في تقليل التنسيق مع مصر ومزاعم الخرطوم بمشكلات حدودية مع "المحروسة"؟!.