استقبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في قصر دولمة بهتشة باسطنبول أمس السبت، زعيم حركة النهضة ورئيس البرلمان التونسي، راشد الغنوشي، وهي الزيارة التي أثارت الجدل في الشارع التونسي حول توقيتها وأسبابها، ومدى ارتباطها بالأوضاع الداخلية في البلاد وليبيا.
وفي زيارة غامضة وسرية لم يتم الإعلان عنها، عقد الجانبان اجتماعاً مغلقاً، وذلك بعد ساعات من سقوط الحكومة التي شكلتها حركة النهضة وعدم منحها الثقة في البرلمان.
يأتي هذا في الوقت الذي تستعد فيه البلاد لتشكيل حكومة جديدة، في ظل تراجع دور حركة النهضة سياسياً، فضلاً عن الأزمة التي تشهدها ليبيا حالياً والتي تسعى تركيا لتأجيجها بالتدخل العسكري في البلاد على خلفية الاتفاقية التي وقعها أردوغان مع رئيس حكومة الوفاق الليبية فايز السراج.
توجيهات من تركيا
وعلّق أمين عام حزب "حركة مشروع تونس" محسن مرزوق، على اجتماع الغنوشي مع أردوغان، بأن قرار حركة النهضة مرتبط بتوجيهات من تركيا.
وقال مرزوق، في تدوينة عبر صفحته الرسمية على موقع "فيس بوك"، إن الغنوشي "يمكن أن يذهب للقاء زعيمه التركي متى شاء ولكن بصفته الشخصية، أما صفة رئيس البرلمان المؤتمن على سيادة الشعب فهذا غير مقبول ولا يجب أن يتواصل".
وطالب مرزوق أعضاء البرلمان إلى التحرك وسحب الثقة منه، حيث قال: "على أعضاء مجلس البرلمان الأحرار أن يسألوا أنفسهم كيف يمكن أن تتحول مؤسسة رئاسة مجلسهم في شخص رئيس المجلس إلى حالة تبعية لدولة أجنبية؟ هذا سبب إضافي لإحداث تغيير في رئاسة المجلس".
من جانبه، اعتبر الباحث في الحضارة والإسلاميات، غفران حسيني، زيارة الغنوشي إلى تركيا بعد إسقاط الحكومة في البرلمان، وقبل انطلاق التفاوض حول رئيس الحكومة الجديدة، ووسط جو إقليمي منذر بالصراع حول ليبيا، اعتبرها "رسالة سياسية سلبية للتونسيين لا من ناحية التوقيت ولا من حيث الشكل ولا الإخراج الإعلامي للزيارة، حتى لو كان موضوع اللقاء مناقشة الحلقة الأخيرة من مسلسل قيامة أرطغل".
غضب ودعوة للمساءلة
أما على وسائل التواصل الاجتماعي، فقد علّق النشطاء على زيارة الغنوشي إلى تركيا ولقائه أردوغان في اجتماع مغلق وبتوقيت حسّاس، حيث أعربوا عن غضبهم من الزيارة معتبرينها "استفزازاً للتونسيين وخيانة للوطن وانتهاكاً لاستقلالية السيادة الوطنية".
ودعا النشطاء إلى مساءلة الغنوشي في البرلمان، ومطالبته بتوضيح رسمي وشرح لأسباب هذه الزيارة.
حركة النهضة ترد
ورداً على الانتقادات، نشرت حركة النهضة أمس السبت بياناً قالت فيه إن زيارة الغنوشي إلى تركيا ولقائه الرئيس رجب طيب أردوغان، تندرج في إطار "تهنئة القيادة بالسيارة التركية الجديدة".
وأضاف البيان أن الغنوشي جدد دعوة الرئيس أردوغان إلى تشجيع رجال الأعمال الأتراك لزيارة تونس والاستثمار فيها وبعث شراكات مع رجال الأعمال التونسيين، بما يعدل الميزان التجاري بين البلدين، ودار حوار بينهما حول التطورات الجديدة في المنطقة والتحديّات الجديدة التي تواجهها.
وأثار مبرر حركة النهضة سخرية نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اعتبروها مجرد "ذرّ للرماد على العيون" للتغطية على الأهداف الحقيقية من وراء الزيارة.
سحب الثقة من الغنوشي
ذكرت وسائل إعلامية أن "الحزب الحر الدستوري" بدأ تحركاته لسحب الثقة من رئيس البرلمان راشد الغنوشي، بعد تصويت البرلمان بعدم منح الثقة للحكومة المقترحة من الحبيب الجملي.
وطالب الحزب، في بيان أمس السبت، من مختلف النواب والكتل البرلمانية الذين ساهموا في إسقاط حكومة الجملي بإمضاء عريضة لسحب الثقة من رئيس البرلمان، وتصحيح ما اعتبره "خطأً فادحاً تم ارتكابه في حق هذه المؤسسة الدستورية".
وأكد الحزب في بيانه أنه يضع إمضاء نواب كتلة الحزب الدستوري الحر الـ17 كبداية للشروع في جمع 73 صوتاً المستوجبة لتمرير هذه العريضة.
ودعا القوى السياسية إلى اختيار شخصية وطنية جامعة "تتمتع بالكفاءة والإشعاع وتقطع مع الإسلام السياسي، لتكليفها بتكوين حكومة دون تمثيلية لتنظيم جماعة الإخوان ومشتقاتها، حتى يتسنى لتونس تخطي أزمتها الخانقة والانعتاق من منظومة الفشل التي أدت بها إلى التداين والارتهان للخارج وأضعفت مواقفها الدبلوماسية التي طالما ميزتها".
يشار إلى أن الفصل 51 من النظام الداخلي للبرلمان في تونس، ينص على: "يمكن للبرلمان سحب الثقة من رئيسه أو أحد نائبيه بموافقة الأغلبية المطلقة من أعضاء المجلس بناء على طلب كتابي معلّل يقدم إلى مكتب المجلس من ثلث الأعضاء على الأقل، ويعرض الطلب على الجلسة العامة للتصويت بسحب الثقة من عدمه، في أجل لا يتجاوز ثلاثة أسابيع من تقديمه لمكتب الضبط".